المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: سكر بنات (2007)

28 مارس 2011

بقلم أمير اسكندر، قسم الاعلام الجديد بمؤسسة الدوحة للأفلام

الفيلم: سكر بنات
إخراج: نادين لبكي
الدولة: لبنان
النوع: دراما، رومانسية
بطولة: نادين لبكي، ياسمين المصري، عادل كرم، جوانا مكرزل، سهام حداد، جيزيل عوّاد، عزيزة سمعان.

من حي لبناني قديم، حيث عبق الحب، والتضحية، ونكران الذات، وسكر البنات، تخرج المخرجة اللبنانية نادين لبكي من نافذة صالون “سي بيل“، عبر أسلوب سينمائي جريء وعصري في الشرق الأوسط، برائعة فنية جديدة. إنه فيلم يروي قصة ست نساء، لكل واحدة منهن قصة مختلفة عن الأخرى، تجمعهن الحاجة إلى العثور على الذات.

video#2

ويظهر الابداع في إخراج نادين في كل عناصر الفيلم، بدءاً بالنص السينمائي الذي يفوح منه عبق الحياة والواقع. ويختلف النص عن تلك النصوص الرومانسية الأخرى المعهودة في المنطقة – معظم نهاياتها سعيدة ومُتوقعة – بحيث يضع قصص سكر البنات الصغيرة في إطار واقعي. هذا النص يجعلك تشعر بالأسف تجاه الشخصيات، بسبب المآزق التي تقع فيها باستمرار، كما يجعلك تسعد لها بفضل المُتع الصغيرة التي تحصل عليها من الحياة. الفيلم شديد التوازن: ليس فيه الكثير من السعادة، وليس فيه الكثير من الحزن، تماماً كالحياة. بالاضافة إلى ذلك كله، فإن طريقة لبكي في تجسيد شخصيات الفيلم، ملفتة جداً، لا سيما أنها تكشف عن مميزاتها بهدوء وسلاسة، بطريقة صادقة وطبيعية جداً: كما لو أن وجود القدر قوي في النص السينمائي، راسماً مميزات كل شخصية بوضوح.

الجدير ذكره أن ثلاثاً من الممثلات الرئيسيات، جمال، روز، وليلي (جيزيل عواد، سهام حداد، وعزيزة سمعان)، خضن تجربتهن التمثيلية الأولى في الفيلم. وبرأيي، كنّ هنّ من قدّمن الأداء الأفضل فيه. فهذه الشخصيات الثلاث، أدّين أدواراً جد معقدة، ولكن أكثرها تعقيداً هي شخصية جمال، التي تلعب دور امرأة أربعينية مطلقة، تعيش في مجتمع عربي منفتح. بالنسبة لي، المشهد الأكثر تعبيراً عن ألم جمال هو المشهد الأخير، حين تترك حفلة العرس الذي تحضره، لتذهب إلى دورة المياه. وهناك تعثر على عدد من النساء الشابات اللواتي ينتظرن، فتلفت أنظارهن من خلال الاستئذان بالدخول دون انتظار دورها. ثم تدخل وتترك منديلاً تسكب عليه صباغاً أحمر، في محاولة لاصطناع الدورة الشهرية التي انقطعت لديها. بعد ذلك، ترتسم على وجهها نظرة اشمئزاز ليس بسبب فعلتها، إنما بسبب الواقع الذي تجد نفسها عالقةً فيه، ورفضها الشديد له. إنها تتوق لأن تبدو أكثر شباباً وجمالاً، وفي مقتبل عمرها مجدداً. تخرج من دورة المياه ورأسها مرفوع، لكن ليس قبل أن ترمق بنظرة ساخطة أخيرة ملؤها الحسد، إحدى الشابات المدعوات إلى حفلة العرس.

أما روز، فهي امرأة تعمل خياطة في بداية خمسينياتها، محرومة من الحب والزواج بسبب ليلي، أختها الكبرى التي تعاني من مشكلة عقلية وتعتمد كلياً عليها. ويمهد القدر الطريق لروز لأن تلتقي بشارل، الرجل الذي تعتقد أنه سينتشلها من حالها ويعوض إحساسها بقلة الأمان والحب التي عاشت معه طوال حياتها. لسوء الحظ تكتشف أن أختها وقعت في غرام الرجل ذاته، ويبدأ صراع رهيب بعد أن تقع في هذا المأزق الصعب. هل تختار الذهاب مع رجل أحلامها وتخسر أختها، أو تبقى مع أختها التي لا تملك أحداً يعتني بها؟ إن العلاقة المعقدة بين الأختيْن مثيرة للاهتمام. فليلي تقنعنا تماماً أن لها الحق أن تحب شارك. تدفعنا لأن نتعاطف معها. إنها تغار من روز، وتعتقد أن شارك يبادلها الحب وأن باستطاعتها العيش من دون روز. في المقابل، تشعر روز بالشفقة تجاه أختها التي تشعر بأنها تعيش كذبة، كما تشعر بالشفقة أيضاً تجاه نفسها لأنها غير قادرة أن تذهب مع شارل. هذه التضحية الكبيرة من طرف روز، فقط لكي تحافظ على مشاعر أختها من الجرح، هي مؤثرة جداً.

أما باقي شخصيات الفيلم، ليال ونسرين وريما ويوصف التي يلعب أدوارها كل من نادين لبكي وياسمين المصري، وجوانا مكرزل، وعادل كرم، فقد أدت جميعها أداءً رائعاً في إكمال الصورة الشاعرية للفيلم، وربط أحداثه ببعضها بسلاسة.

ويفعمك الفيلم بأحاسيس حارة، كما أن مرأى الأبنية العتيقة والحميمة، يشبه قلوب النساء اللواتي يعشن فيها. “سكر بنات” يظهر لنا طريقة عيش النساء الشرق أوسطيات القويات. فهن قادرات على الحب، والكفاح، والثورة، وتحمل المصاعب، لكن الحياة، تثقل قلوبهن أحياناً بما لا يرغبن بتحمله.

الجدير ذكره أن “سكر بنات” هو الفيلم العربي الأكثر توزيعاً حتى تاريخنا هذا، وأن نادين تعد فيلماً جديداً بالتعاون مع مؤسسة الدوحة للأفلام، تحت عنوان “وهلق، لوين”.

video#1

blog comments powered by Disqus