المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: تيتا ألف مرة (2010)

11 أبريل 2011

_بقلم ريم صالح، قسم الاعلام الجديد بمؤسسة الدوحة للأفلام-

الفيلم: تيتا ألف مرة
العام: 2010
إخراج: محمود قعبور
النوع: وثائقي، سيرة حياة، عائلي
بطولة: فاطمة الغول، محمود قعبور، تيتا فاطمة قعبور

إنها قصة شخصية وشاعرية، تأتينا من شوارع بيروت الصاخبة وشرفة منزل تيتا فاطمة، التي تدخن شيشتها بتأنٍ بالغ وتنظر إلى الفراغ: هذه هي الصورة التي استطاع المخرج محمود قعبور بزرعها في ذاكرتنا بعد انتهائنا من مشاهدة “تيتا ألف مرة”.

ما الذي تفعله حين تصبح عجوزاً، تعيش في منزل كبير كان يعجّ في الماضي بالأطفال وزوج محب، توفى منذ عشرين عاماً، كان يملأ أيامك بالموسيقى؟ هذه هي قصة تيتا، التي قرر حفيدها محمود (مخرج الفيلم)، أن يكرم فيها جده الموسيقي الموهوب وجدته الطيبة فاطمة.

video#1

بالعودة إلى فيلم “تيتا ألف مرة“، بعد سنة من عرضه في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي 2010، من السهل معرفة السبب وراء أسره لقلوب كل من شاهده. ففي مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي 2010، حاز على جائزة الجمهور لأفضل فيلم وثائقي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالاضافة إلى 100 ألف دولار، ومنذ ذلك الحين، انطلق ليحوز على شهرة عالمية بالغة في العالم. في منطقتنا، لاقى الفيلم نجاحاً باهراً: فقد كان العرض الأول في مهرجان قرطاج السينمائي بتونس في أوكتوبر 2010؛ كما عرض في اليوم الافتتاحي للمتحف: المتحف العربي للفن المعاصر في الدوحة، قطر في ديسمبر 2010؛ وافتتاح المسرح الوطني بأبو ظبي في الامارات في يناير 2011، كما أنه من المؤكد أنه سيحصد المزيد من المشاهدين والمعجبين في مهرجان دوكس بوكس الدولي للأفلام الوثائقية في دمشق، سوريا في مارس 2011. أما على الصعيد الدولي، فقد عرض في مهرجان روتردام السينمائي الدولي في فبراير 2011، كما ينتظر أن يخوض عرضه الأميركي الأول في مهرجان ترايبكا اليسنمائي بنيويورك في أبريل 2011.

كل ذلك يقودك إلى الاستنتاج، حتى لو لم تكن قد شاهدت الفيلم بعد، أن هناك شيئاً ما يميزه. نعم، هذا صحيح: إنه فيلم رائع، تماماً كشخصية تيتا. حين التقيت بها في مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي، أول ما قالته لي كان: “هل شاهدتي فيلم “تيتا ألف مرة“؟ أجبت بنعم، فأردفت: “أنا التيتا”. بدى حينها فخرها وفرحها بحفيدها الذي أعاد إحياء مسيرة زوجها الموسيقية، إلى جانب فرحتها بركوبها طائرة للمرة الأولى في حياتها، ومشاهدة المئات من الأشخاص لها على الشاشة الكبيرة، رحلة لا تنسى بالنسبة لها، وتجربة فاتنة للمشاهدين.

عن السبب وراء تحويل هذه القصة إلى فيلم، قال محمود: “بعد 15 سنة من السفر حول العالم، كان المكان الذي أنجذب إليه فنياً وعاطفياً هو منزل جدي. كنت أشتاق إليه باستمرار، لا سيما حين كنت ألجأ إلى موسيقى جدي الذي خلفها وراءه على شريط سرقته من أحد الجوارير ورافقني في كل رحلاتي. منذ عامين، قررت أن أزور جدتي، وأن أسمعها موسيقى جدي بعد 20 عاماً من رحيله، وأضع كل خبرتي ومعرفتي السينمائية لأخبر قصتها وقصة بيتها، حيث نشأت أنا و12 حفيداً آخر”.

استخدم محمود أيضاً ما تعلمه في إضافة الرموز لإبراز القصة. إنه فيلم وثائقي بامتياز، لكن موهبته في تصميم الشكل ظاهرة أيضاً بشكل كبير. كما أن إحياء الذاكرة والحاضر مشغول بشكل رائع من خلال صور ترى من خلالها تيتا تجلس على أريكة عليها تكرارها بالأسود والأبيض حين كانت في ريعان شبابها. كما لو أن الصلة لم تنقطع يوماً بين الماضي والحاضر. إنهما مستنسخان في الذاكرة، وفي الموسيقى، وملامح محمود التي تشبه ملامح جده، وما تناديه به تيتا “زوجي الصغير”. كل العناصر التي استخدمها، من أصوات الشارع إلى موسيقى جده، لم تفقد الفيلم رقته وخصوصيته.

حين تشاهدون تيتا تنادي محمود الواقف خلف الكاميرا لإطعامه بيديها، يمكنكم ان تشعروا بدرجة الصدق في الفيلم. إنها أكثر من علاقة شخصية: إنها ثقافة، وتاريخ، وعالم يبتعد عن الروابط العائلية ليقترب أكثر من أسلوب الحياة الانعزالي والمكتظ بالعمل. على الرغم من ذلك كله، تأتي امرأة عجوز تأسر قلبك، وتجعلك تتمنى أحياناً، لو أنك لم تلتق بها أبداً – لأنها ستذكرك بعائلتك وأحباءك. كما يقول محمود: “إن الخوف من فقدان الأحباء أمر شائع في العالم، كذلك هو حبنا لجدّينا”.

لقد ألهم محمود دون أن يقصد جدته لتخبرنا القصة، بأن لعب دور جده: يرتدي ثيابه ويجعلها تستمع لموسيقى الرجل الذي أحبته كثيراً. ثم يصبح هذا الدور أساسياً في شكل الفيلم، وجزءاً من الدافع وراءه. ويبدو أنها استمتعت بهذه الطريقة أيضاً: “لطالما قالت لي وأنا صغير أني أشبه جدي كثيراً. وهذا ما ألهم محاولتي الجريئة بلعب دور جدي أمام الكاميرا لكي أحركها وأستخرج منها المزيد من القصص عنه”.

إن الفيلم جميل ببساطة، بنكهة بيروت، بمطبخها وعاطفتها، وروابطها العائلية الدافئة. يبكيك ويضحكك، ويضع تيتا في ذاكرتك لوقت طويل. إنها قصة حب، بطلها الماضي، وشيشا تدخنها تيتا لتنفث وحدتها بعيداً.

إذا كنتم تتساءلون أين باستطاعتكم مشاهدة الفيلم، لحسن الحظ سوف يتم إصداره على أشرطة دي في دي هذا الصيف. لمن يعيشون في لبنان، ينتظر عرض الفيلم في مسرح ميتروبوليس للآرت هاوس في 14 أبريل 2011، لذا، لا تدعوا العرض يفوتكم!

video#2

blog comments powered by Disqus