المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي: الضوء في عينيها

28 يوليو 2013

عندما نقل الإعلام الأميركي والعالمي صور وحالة النساء في أفغانستان فور دخول القوات الأميركية إليها عام 2001، لم يبرز إلا صورة واحدة: نساء مغطاة بالكامل لا يحملن إلا التخلف والقمعية والجهل. هذه الصورة لم تكن جديدة في الإعلام الغربي، لكنها أتت لتعزز تلك السائدة عن المرأة المسلمة، المستمدة غالباً من الصورة النمطية القديمة عن المسلمين بشكل عام. فهل هذه هي الصورة الحقيقية للمرأة المسلمة؟ وهل هكذا يريد الإسلام للمرأة أن تكون؟ ولا بد من الإشارة هنا، أن العامل الإجتماعي والتفكير السائد في بلد ما، يؤثر إلى حدّ كبير في تعامل المجتمع ونظرته إلى المرأة، وإن كان الإسلام هو القاسم المشترك عند هذه المجتمعات.

استدعت هذه الأسئلة مجموعة من النساء الأميركيات للقيام بمحاولة التعرف على حقيقة المرأة المسلمة اليوم، في ظل متغيرات مجتمعية وسياسية وفكرية. فقامت المخرجتان لورا نيكس وجوليا ميلتزر بإعداد وثائقي عن امرأة داعية سورية، نجحت إلى حد بعيد في تصحيح – او قل إظهار الوجه الصحيح – للمرأة المسلمة في عصرنا.

في الفيلم الوثائقي “الضوء في عينيها“، نتابع عن كثب هدى الهباش الداعية الإسلامية التي أرادات أن تظهر أن الدين الإسلامي لا يتعارض أبداً مع حياة المرأة العصرية ويكفل لها – إلى جانب التقيد بالتزاماتها الدينية بما فيه الحجاب والعبادات والفرائض – القيام بدورها المجتمعي الكامل ومشاركتها في كافة مجالات ومناحي الحياة.

اتخذت هدى من دروسها الدينية في مسجد الزهراء بالعاصمة السورية دمشق منطلقا للدفاع عن حقوق المرأة وتصحيح الصورة النمطية عن مكانة النساء في الإسلام، ومكنت جيلا من البنات من معرفة حقوقهن من خلال الدين الذي يكفل لهن حقوق التعليم والعمل والخوض في مختلف مناحي الحياة، متحدية التقاليد السائدة في أن المرأة وجدت لتخدم الرجل والبقاء في المنزل للقيام بالأعباء المنزلية وتربية الاولاد فقط.

يتميز الفيلم بواقعيته وصوره المباشرة من قلب الأحداث، فترافق الكاميرا هدى أثناء إلقائها دروسها أمام حشد من الفتيات في المسجد وهي تشرح لهن مقاصد الدين وتحرضهن على التمسك بحقوقهن ودينهن والإنطلاق في الحياة. وكذلك تتبعها في منزلها وهي تقوم بواجباتها المنزلية من اهتمام بأسرتها وتنظيف البيت واعمال اخرى. لا ترى هدى أي تناقض بين ان تكون داعية توعي المجتمع وتساهم في التنور الفكري والعلم وبين الواجب المنزلي الذي تكن له كل الإحترام والإهتمام. وهي رسالة واضحة بأن الخيارات مفتوحة ولا يمكن أن نحصر المرأة بواحدة من صورتين: إما ربة منزل بكامل التفاصيل، أو سيدة مجتمع متحررة.

و تقول المخرجتان لورا نيكس وجوليا ميلتزر أنهما أرادتا أن تظهرا وجها مغايرا للمرأة المسلمة التي يجهلها الغرب، فهو عادة ما يصنف المرأة في إحدى فئتين: الليبرالية المتحررة أو المرأة المقموعة، لكن الفيلم يعرض لنا شريحة مغايرة تماماً، فنري نساء مسلمات ملتزمات دينيا لكنهن متمسكات بالعلم كسلاح للوصول للهدف.

نجحت في مدرستها من استقطاب مئات الفتيات اللواتي حفظن القرآن، وتنتقد تعامل المسلمين انفسهم مع النساء: “ المسلمون يحرمون المرأة من كل شيء، ومن حقها في التعليم، وهذا ليس في شيء من الدين على الإطلاق”. وترفض ما يقوله بعض المشايخ ورجال الدين على الفضائيات من أن المرأة تابعة للرجل وتوضح أنهم يقدمون تفسيراً خاطئاً للإسلام والنصوص.

تحث هدى الفتيات على التأقلم مع العصر الحديث، وتشدد ان الإسلام يبدد كل المعوقات وأعطى المراة كامل حقوقها، حتى وإن “أرادت ان تكون رئيسة للجمهورية”. ويبدو جلياً مدى تأثر هؤلاء الفتيات من مختلف الأعمار بمعلمتهن التي تقترب منهن في مختلف الأمور، فتظهر إحداهن توقها للعلم وعدم التقيد بالعادات الإجتماعية: “أريد ان أذهب إلى الجامعة ولكن في مجتمعنا، أول ما تصبح الفتاة في البكالوريا، تتم خطبتها”.
تم تصوير الفيلم بسرية بعيداً عن أعين رقابة السلطة، وانجز قبيل اندلاع الثورة السورية بفترة بسيطة ليشكل دليلاً قاطعاً على صورة المرأة المسلمة الحقيقية في سوريا.

“الضوء في عينيها” وثائقي بعيون غربية، جاء ليظهر بعض الجوانب التي لا يراها العالم الغربي عن المرأة المسلمة، ويرسم صورة مغايرة تماماً تلك السائدة عن مظهر التخلف والجهل والتقوقع. إنه فيلم يحمل في طياته قيم الإسلام وتكريمه للمرأة ومنحها أفضل الحقوق والأدوار التي جعلت منها “مدرسة” الأجيال.

blog comments powered by Disqus