المدوّنة

العودة الى القائمة

نقد سينمائي من مهرجان أدنبره السينمائي الدولي: "عالم ليس لنا"

16 يونيو 2013

بقلم نيكولاس ديفيس

ترجمة عروبة حسين

منذ أشهر وأنا أرغب بمشاهدة فيلم “عالم ليس لنا” للمخرج مهدي فليفل. ومنذ أن شهد عرضه الأول في مهرجان تورونتو السينمائي، جال المهرجانات السينمائية حول العالم وحظي بأصداء إيجابية لا مثيل لها. بعد أن تسنّت لي مشاهدته، اكتشفت أنه يستحق فعلاً كل ما قيل عنه، فيأخذنا إلى أماكن لم نرها مسبقاً، ويكشف لنا أموراً لم يسبق لنا الاطلاع عليها.

يأخذنا مهدي إلى داخل مخيّم عين الحلوة لللاجئين الفلسطينيين الذي يقع في صيدا في لبنان، حيث عاش فترات متقطّعة على مدى سنوات. وهو لا يكتفي بالتصوير فقط، بل يلجأ لاستخدام مشاهد قديمة من أرشيف والده، بالاضافة إلى مذكّراته الشخصية المصوّرة. وهذا المخيم مكان يضمّ آلاف القصص، نظراً لمساحته التي لا تتعدّى الكيلومتر المربّع، واستيعابه لأكثر من 70 ألف نسمة من اللاجئين الفلسطينيين لأكثر من 60 عاماً.

النظرة التشاؤمية التي تتولّد جراء رؤيتنا لمظاهر البؤس، سرعان ما تتبخّر، حين يبدأ مهدي بإضافة نظرته الخاصة للمخيّم. ففيما يتجوّل بكاميرا محمولة على كتفه في أزقة المخيّم البائسة التي تعجّ بالأطفال، يبدأ بالحديث عن ذكريات العودة إليه لقضاء العطل في طفولته منذ ان انتقل أهله إلى دبي في السبعينات. ويقص مهدي في الفيلم بعضاً من ذكريات حياته في دبي قبل أن تهاجر العائلة إلى الدنمارك. بالنسبة له، هذا المخيّم البائس كان رمزاً للمتعة والتسلية والصداقات والعائلة، وحيث كان يشعر أنه موطنه الصغير حين كان طفلاً. يخبرنا أيضاً أنه وبعد الهجرة إلى الدنمارك الخضراء، لطالما حلم بالعودة إلى عين الحلوة.

يعرّفنا مهدي إلى جدّه الثمانيني المتململ دوماً، والذي لا يكفّ عن تقريع الأطفال الذين يلعبون كرة القدم في الشوارع، كما يرفض مغادرة عين الحلوة ويتمسّك بحق العودة. نتعرّف أيضاً إلى سعيد عم مهدي، الذي كان بطل شباب المخيّم في ما مضى. سعيد هذا، يعاني من عدم الاتزان في صحته العقلية بعد مقتل شقيقه برصاصة في عنقه. سعيد تحوّل إلى شخصية مزعجة، يمضي وقته في لعب دور مجنون المخيّم أو في إطعام الحمام.

في البداية، تدخل هاتين الشخصيتيْن حساً فكاهياً إلى الفيلم. لكن سرعان ما تتبدّل انطباعاتنا تجاههما، فهما ليس إلا رجلين محطّمين لا يملكان شيئاً لتحقيق أحلامهما.

إلا أن الفيلم يركّز في الحقيقة على مهدي وصديق طفولته بسّام، الملقّب بأبو إياد، نسبةً لزعيم استخبارات حركة فتح الفلسطينية. إنهما كالأخوين، يستمتعان سوياً بمباريات كأس العالم ويتبادلان النصح بخصوص معاملة الفتيات. في الوقت ذاته، هناك فارق كبير بينهما. فمهدي يمتلك جواز سفر أوروبي وهو ليس إلا بزائر مؤقت للمخيّم ودائماً يملك خيار الرحيل. أما بسّام فهو ما زال لاجئاً مجرداً من حقوقه الانسانية وممنوعاً من الخروج من المخيّم الضيّق.

من هنا يكتسب الفيلم طابعه العاطفي. نرى البسمة دوماً على وجه بسام، وهو لا يتوقف عن المزاح. لكنه في الوقت ذاته يعيش في غضب لا نهاية له، يصبّه تارةً على الأشخاص من حوله وتارةً على الظروف التي جعلت أيامه تتعاقب دون أي هدف يذكر. هناك لحظة يعترف فيها بسام بأن الانتحاريين من المخيّم لا يفجّرون أنفسهم لدوافع دينية أو حتى رغبة بالانتقام ويقول “إن مهاجمة إسرائيل هي وسيلتهم الوحيدة للخروج من المخيّم وإلى الأبد”.

إنه فيلم وثائقي شخصي وحميم بامتياز، يتميّز بكونه بعيداً جداً عن ذلك النوع من الأفلام التي تصوّر مظاهر البؤس والشقاء في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين لاستدرار شفقة ومساعدات العالم. يظهر جلياً أن لا دوافع سياسية لدى مهدي، لكنه يستمر بذكر تصريح شهير لدايفيد بن غوريون (رئيس وزراء إسرائيل الأسبق) كان قد أدلى به عام 1949 حين تحدث عن واقعة طرد الفلسطينيين من أراضيهم من أجل بناء دولة إسرائيل حيث قال “الكبار في السن سيموتون، والصغار سينسون القضية”. يواجه مهدي هذا التصريح بقوله: حتى وإن تخلينا عن حق العودة، من الواضح أن الظروف التي يعيش فيها الفلسطينيون أن لن تدفعهم للنسيان.

إعلان فيلم “عالم ليس لنا”

blog comments powered by Disqus