المدوّنة

العودة الى القائمة

الاسلام في السينما

30 يونيو 2013

بقلم عباس موسى

مع بدء صعود السينما العربية في القرن الماضي، ساد توجه لإنتاج الأفلام الدينية، فشهدت فترة الخمسينات العصر الذهبي لإنتاج هذا النوع من الأفلام. وبالرغم من الجماهيرية التي حققتها في تلك الفترة، إلا أن عدداً قليلاً منها فقط استطاع أن يبقى في ذاكرة المشاهدين وترك أثر واضح في السينما العربية والعالمية.

الفيلم الديني الإسلامي فهو إما فيلم السيرة الذي يدور حول شخصية دينية أو الذي يؤرخ للتاريخ الإسلامي أو الفيلم الذي يظهر مبادىء وقيم الإسلام من خلال قصة ما. يعتبر فيلم “ظهور الإسلاملإبراهيم عز الدين في عام 1951 أول فيلم ديني بإجماع السينمائيين والنقاد، وانتجت بعده في الحقبة نفسها أفلام أخرى منها “انتصار الإسلام “ (1952) و “بلال مؤذن الرسول “ (1953) لأحمد الطوخي ، “خالد بن الوليدلحسين صدقي عام 1958، و “الله أكبرلإبراهيم السيد عام 1959، “رابعة العدويةلنيازي مصطفي عام 1963، و “هجرة الرسول” لإبراهيم عمارة عام 1964، وصولاً إلى فيلم “فجر الإسلاملصلاح أبو سيف عام 1971، والفيلم الشهير “الرسالةلمصطفى العقاد الذي أخرجه عام 1976.

بالإضافة إلى هذه الأفلام الدينية، برزت أفلام تاريخية بإطار ديني منها فيلم “الناصر صلاح الدين“ للمخرج يوسف شاهين من إنتاج عام 1963، وهو فيلم تاريخي تدور أحداثه حول فترة من حياة القائد صلاح الدين الأيوبي، وهي فترة الحروب الصلبية ومحاولة صلاح الدين إثبات القدس كأرض ومكان مقدس للمسلمين.

Yussif Shahin’s ‘Alnasser Salahuddin’ (1963)

واللافت أن جميع هذه الأفلام تتميز بنقاط تشابه عديدة يمكن أن تصل إلى حدّ التطابق، منها تشابه الديكور والأزياء والسرد والشخصيات. فشخصية الكفار والمشركين هي نفسها من حيث الشكل: وجوه قبيحة، صلابة شديدة، فسق وفجور وقسوة في التعامل مع النساء والمجتمع. في المقابل، يظهر المسلمون الأوائل ضعفاء البدن وحسنو المظهر والأخلاق وفي توسل دائم إلى الله لينقذهم من المحن. وقد بالغ بعض المخرجين في هذا الوصف، فوقعوا في الرتابة وقلة الإقناع وبدا أداء بعض الممثلين هزيلا ومصطنعاً لعدم معرفتهم العميقة بالإسلام وشخصياته.

وكما برزت ظاهرة تشابه الأفلام، برزت كذلك ظاهرة اعتماد المخرجين على مجموعة من الممثلين الذين شاركوا في الكثير من الأفلام الدينية، فتكرر ظهور ممثلين بأعينهم في هذه الأفلام، نذكر من الرجال عباس فارس حيث قام بالبطولة في فيلم “ظهور الإسلام” و “انتصار الإسلام” و “بيت الله الحرام” و “خالد بن الوليد”. وتكرر ظهور حسين رياض في “بلال مؤذن الرسول “ و “بيت الله الحرام” و “شهيدة الحب الإلهي” و “رابعة العدوية”. أما من الممثلات فإن ماجدة تقف في المقدمة بأفلام “انتصار الإسلام” و “بلال مؤذن الرسول” و “هجرة الرسول” تليها كوكا في “ظهور الإسلام” و “السيد أحمد البدوي”.
وبالتأكيد فإن هذا الظهور من شأنه أن يوقع المشاهد في التشتت والإلتباس، خصوصاً وأن بعض الممثلين شاركوا في أفلام متقاربة في تاريخ الإنتاج وبأدوار متناقضة تركت اثرها السلبي عند المشاهد في التفاعل مع الشخصية بين فيلم وآخر.

الموانع الدينية

من أبرز ما واجه إنتاج الأفلام الدينية هي الموانع والرقابة. لقد لعبت الموانع الدينية دوراً في الحد من إظهار بعض صفات الشخصيات والأحداث التاريخية، وذلك إما بسبب الخلاف على بعض المحطات الفاصلة في التاريخ الإسلامي أو بسبب الإختلاف والرأي حول شخصية ما من قبل صانعي الفيلم. وبالرغم من محاولة صناع الفيلم على الدوام الرجوع إلى المراجع الموثوقة والعلماء والتاريخ، إلا أن ذلك لم يمنع من توجيه الإنتقاد لبعض هذه الأفلام واعتبارها مسيئة لشخصيات إسلامية. فهناك من يقول أنه لا يجوز المس بالنص أو بصفات الشخصية بسبب الحاجة الدرامية والسينمائية، ومنهم من عارض هذا الرأي وارتأى بعض التغيير لحاجات النص السينمائي.

وقد لعبت الرقابة الدينية دوراً في الحدّ من الخيال وعدم الالتزام بالواقع التاريخي، خصوصاً وأن الإسلام يحظر تجسيد الرسول والعشرة المبشرين بالجنة وفق إجماع المسلمين، وبالتالي أدّى ذلك إلى عدم ظهور بعض الشخصيات والإستعانة بطرق مبتكرة لتقديم الشخصية. وفي الأفلام التي تدور حول البعثة المحمدية، لم تظهر شخصية الرسول في الأفلام على الإطلاق ما جعل الأمر بالغ الصعوبة. فكيف يمكن صنع فيلم على مدى أكثر من ساعتين حول شخصية لا تظهر صورتها أصلاً؟ لقد وجد المخرجون الحلول الملائمة عبر تقنية السرد وتناقل الكلام بين شخصيات الفيلم عما تعبر عنه الشخصية غير الظاهرة، وإن كان هذا الامر قلل من تأثير الشخصية في نفوس المشاهدين، إلا ان بعض المخرجين نجحوا من خلال توليفة العمل الجماعي في توصيل رسالتهم. وهذه في الواقع نقطة مهمة يجب الإضاءة عليها، وهي ان أفلام السيرة الذاتية في الغرب وهوليوود تركز على الشخصية في كافة وأدق تفاصيل حياتها، ويكفي توفير ممثل قادر وبارع للشخصية لتحقيق الهدف، لكن أفلام السيرة الذاتية الإسلامية استطاعت وببراعة كبيرة أن تحل هذه المسألة وهذه نقطة تسجل للمخرجين.

إن شخصية الرسول هي أهم شخصية في الإسلام على الإطلاق، وبالتالي كان إنتاج فيلم عن الرسول يوقع المخرج في أزمة كبيرة نظراً لعدم إمكانية تجسيد الشخصية. وفي هذا يقول المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد مخرج فيلم “الرسالة”: في فيلم الرسالة واجهتنا صعوبة في الكشف عن وجوه كل من الرسول وخلفائه الراشدين ولم نستطع إظهار صورهم، ولا أصواتهم، ولا حتي ظلالهم طوال أحداث الفيلم لما في ذلك من حساسية عند جمهور المسلمين، وبالتالي كانت ثمة صعوبة في وضع شخصية محورية في السيناريو يتتبع المشاهد، وخاصة الغربي المتعود علي بطل في أفلامه، فما كان علينا إلا أن اخترنا حمزة ولكنه قتل مبكراً في معركة أحد ليترك لنا فراغاً.

مهما يكن، فإن عدداً محدوداً هذه الأفلام ترك أثره على الصعيد العالمي، وباستثناء فيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد الذي يعتبر من أبرز الأفلام التي قدمت عن النبي محمد، بقيت الأفلام الدينية التاريخية من الإنتاج العربي محصورة في فضائها الخاص. فالعقاد أراد إيصال الرسالة بلغة الغرب وعدم الإرتكان إلى الترجمة، كون التفاعل المباشر بين الجمهور والفيلم أفضل وسيلة لإيصال الرسالة.

أنتج العقاد فيلم “الرسالة” من نسختين واحدة بالعربية وأخرى بالإنجليزية، وكانت العربية من بطولة عبد الله غيث في دور حمزة بن عبد المطلب أما الإنجليزية فمن بطولة أنطوني كوين بنفس الدور. والبطولة النسائية كانت للممثلة السورية منى واصف في دور هند بنت عتبة وأدت الممثلة العالمية أيرين باباس الدور نفسه في النسخة العالمية. وبلغت تكلفة إنتاج الفيلم للنسختين العربية والأجنبية حوالي 10 ملايين دولار أمريكي، وحققت النسخة الأجنبية وحدها أرباحاً تقدر بأكثر من 10 أضعاف هذا المبلغ، علما بأن الفيلم ترجم إلى 12 لغة، ورشح لجائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية.

ومع اقتراب الشهر الفضيل، إنها فرصة عظيمة لمحبي هذا النوع من السينما بأن يعيدوا مشاهدة بعض الإنتاجات المميزة التي تؤرخ للدين الإسلامي ولشخصيات عظيمة كان لها أبعد الأثر في حفظ الرسالة.

blog comments powered by Disqus